Header ads

Header ads
» » » الإسلاميون في الحكم






الإسلاميون في الحكم



محمد أحمد كين


وصل الإسلاميون. هذا ما يجول في خاطر المواطن العربي بعد مخاض سمي بربيع ديمقراطي كانت نتيجه واحدة : وصول الإسلاميون. وبدون أي سابق عهد لهم بالحكم في زمننا الحديث، جاءوا متشبعين بمبادئ قد تبدو للكثيرين لا تتوافق وما يسمونه بالدولة المدنية. وصلوا ومع وصولهم احتدم الصراع الذي يبدو في ظاهره أيديولوجيا، لكنه يعكس ما يعكس من رفض تام لهؤلاء القادمين الجدد. اتحد القوميون والليبراليون والعلمانيون واللامنتمون ليقفوا صدا منيعا في وجه من يرونهم خطرا محدقا بمصالحهم ومكتسباتهم. مكمن الخطر في هؤلاء القادمين على الحكم ليس كونهم إسلاميوا المذهب في زمن كثر فيه اللغط حول الإرهاب الديني، بل الخطر كل الخطر في أنهم طوروا نظريات وبلورا تصورات لا تنفي مرجعيتهم الدينية، ولا منازع لهم فيها، وتستحضر الصيرورة التاريخية التي قطعتها المجتمعات العربية في طريق التحديث وبناء دولة المؤسسات، فلا يكونوا بذلك حالمين كالذين يدعون لدولة خلافة لم تظهر معالمها في القرن الواحد والعشرين.


من محاسن وصول هؤلاء هو أنهم أحيوا في المواطن العربي اهتمامه بالسياسة، فارتفعت بذلك نسب متابعة البرامج الحوارية التي تناقش السياسات الحكومية، وعاد الناس ليتابعوا بالملايين جلسات البرلمان التي كانت في السابق مثار التنكيت والسخرية. كل المنابر الإعلامية، الالكترونية منها وغير الالكترونية، أصبحت تتخذ من الوافدين الجدد مادة دسمة تنقلها لمتتبعيها على مدار الساعة فتحقق بذلك نسب مشاهدة منقطعة النظير. من محاسن وصولهم أيضا هو أن المواطن العربي أصبح يناقش أمورا لم يكن ليعرف عنها إلا ما ندر لولا وصول هؤلاء، كل الوزارات أصبحت تحت مجهر الاعلام في زمن أقل ما يقال عنه زمن انكشفت فيه عورات الماضي. هل كان للمغاربة مثلا أن يناقشوا الصناديق السيادية التي لم يكن يعرفها إلا القليل منهم، هل كان لهم أن يعرفوا الأعداد الهائلة ممن كانت أرصدتهم تتضخم كل دقيقة من اقتصاد الريع، هل كان لهم أن يروا قضاة مفسدين يحاكمون من داخل مؤسسة كاد المغاربة أن يجمعوا على استحالة تجفيف منابع الفساد فيها. لا يعني هذا الكلام من قريب أو بعيد أن المغرب فسد وهم المصلحون، ولا يعني أيضا أن المغرب نُهِب وهم المقتصون. سبق هؤلاء أناس أنقذوا المغرب من سكتة قلبية كادت تعصف باقتصاده، أناس جهروا بالحق في وقت كان البلد يمر بأحلك مراحله. في المغرب أناس شرفاء حموا القانون، وفي المغرب مسؤولون قدموا الكثير للنهوض باقتصاد البلد وأهله.


مع وصول الإسلاميين انبرى البعض في انتقاد تجربتهم في الحكم حتى قبل أن يدور عليها الحول. انتقاد منبعه فكر هدام يبغي في عام واحد إصلاح ما أفسدته السنون. كيف الكلام عن محاربة الفساد الذي أصبح ثقافة طبعت في سلوك غالبية الناس، حتى بات قضاء المصلحة مرتبطا بدفع الإتاوة والحصول على الوظيفة متوقفا على اسمك العائلي. انبرى منتقدوا هذه التجربة إلى التوقف عند أشياء لا تعدو أن تكون قشوريات لا تغوص في عمق مشاكل هذا البلد، هل اهتزت المفاهيم عند هؤلاء فأصبحت المحسوبية في تعريفهم أن تأخذ طفلة بريئة هي بنت وزير في حكومة بنكيران صورة مع نجم كرة القدم ميسي، هل من تبديد المال العام أن يؤثث وزير في حكومة بنكيران مكتبه بصالون يتسع لاستقبال ضيوف وزارةٍ أصبح المجتمع المدني جزء منهم، أليس من العدمية أن تنشر جريدة افتراءا خبر اقتناء وزير للشامبانيا من المال العام وتنشر أخرى زورا وبهتانا خبر وزير من نفس الحكومة وزع مقاعد الحج على أعضاء من ديوانه.


 ليس هذا النوع من النقاش ما المغرب بحاجة إليه في أيامنا هاته. ليس المغرب في حاجة إلى أحزاب تنتقد من أجل النقد في ذاته، ولا هو في حاجة الى إعلاميين لا يرقون بالنقاش السياسي في هذا الظرف الحساس من تاريخ العالم العربي، ولا هو أيضا في حاجة لنقابات متواطئة تصفي الحسابات ولا تنتصر للفعل النقابي الشريف الذي من شأنه أن ينهض بالمقاولة والعمال على حد السواء. لا مكان اليوم لفكر المغالبة الذي يحاول فيه كل طرف إبراز مثالب خصمه، لا يراد من الأغلبية أن تغذي سلطان الخوف في نفوس المغاربة من جهات خفية عرفوا فيها أنها تشبه التماسيح والعفاريت، ولا مكان لمعارضة لا تؤمن بالقطائع التاريخية التي تخلقها الشعوب فتحاول أن تبني مشروعية ليس لها من أساس أيديولوجي أو نضالي شاع بين الناس. لا مكان للذين تحكمهم نظرية المؤامرة فتكِلُّ أذهانهم بحثا عن ما يبرر قولهم بأن الإسلاميين أريد لهم أن يأتوا ليدبروا مرحلة كما فعل سابقوهم. وإذا ما سلمنا جدلا بهذا القول، فلنسلم أيضا بأن هؤلاء القادمون الجدد هم ثمار تجربة برلمانية وتدافع سياسي لم يكن الترحال جزءا من أبجدياته.


*أستاذ وباحث





كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
"حاضرة اسا: عمق التاريخ...وغنى الذاكرة" إصدار جديد لجمعية الباحثين الشباب
»
Previous
أسوأ 12 شخصية في مغرب عام 2012

ليست هناك تعليقات:

دع تعليقك