Header ads

Header ads
» » دفاعا عن القاعديين



عبدالعزيز العبدي : الجريدة24


كنت قاعدياً، حين اجتزت امتحانات الباكلوريا، والتحقت بالجامعة، وجدت في استقبالي الطلبة القاعديين.... كانوا هم الأكثر تواجدا في الحرم الجامعي، باحات الكليات وساحات الأحياء الجامعية... الفصائل الأخرى، التابعة للأحزاب السياسية ، والتي كنا ننعتها بالإصلاحية، لم تكن متواجدة... ولم يكن يمنعها من التواجد عنف منسوب إلى الطلبة القاعديين، بل كان خطابها المائع والمستسهل هو ما ينفر منها الطلبة...


كان هناك أيضا الطلبة الإسلاميون، بكل تلاوينهم، حاضرون في الساحة، يتدخلون في النقاشات التي تعقد على شاكلة الحلقات، يستفزوننا، ويحاصروننا بأسئلتهم عن وجود الله وعن إسلام الشعب واستحالة الثورة الشيوعية في البلد، وكنا نفلت من ممحكاتهم بالكثير من السجال ومن الإحراج أيضا.... كانوا هم العنيفون، حين يهجمون على الرفاق آنذاك، مدججين بالهراوات وبالجزارين وبائعي الخضر وأصحاب عربات خودنجال أمام المساجد.... 


لم نكن نحمل فكرا عنيفا، بل العكس، كنا مسالمين إلى أقصى درجة، حتى ونحن ندبج النظريات حول إسقاط النظام والثورة وما يستلزمها ذلك من عنف، كنا نفعل ذلك عبر مفهوم العنف الثوري، المبني أساسا على انخراط الجماهير في معركة التحرير الكبرى، وكنا نعي جيدا أننا لسنا طليعتها.... كانت الطليعة موكولة إلى القوى الثورية، تحالف العمال والفلاحين....


كنا نعي جيدا أننا كطلبة، نعيش مرحلة انتقالية، وأن وظيفتنا هي تعبئة زملائنا، على الإلتفاف حول مطالبهم النقابية، في إطار إعدادهم للالتحاق بالجماهير الشعبية بعد إنهاء تعليمهم في الجامعة....


لم نكن عنيفين، ولا كنا نهدد أحداً في حياته الشخصية، كنا نعيش مرحلتنا بكل عنفوانها، نحب رفيقاتنا، ونكتب لهن أشعارا وأغاني، ونتواعد على أن لا نفترق، رغم أننا افترقنا... كنا نهتم بدراستنا إلى درجة أن رفيق لنا-عبد المولى، والذي بالمناسبة لا أدري أي ريح حملته بعيدا، دون أخبار عنه- والذي كان يسهر على تأطيرنا، كان يعتبر التحصيل العلمي أهم نضال في حياة الثوري، وكان يعتبر الثثقيف الذاتي أهم سلاح إيديولوجي... يقتني لنا كل الإصدارات من جرائد ومجلات، حتى جريدة لوماتان، لسان حال النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي، كنا نجبر على قراءتها وتلخيص مضامينها ومناقشتها... 


أبدا لم نكن عنيفين، ولا معاول هدم وسيوف قتل، كنا نتناوب على غسل الأواني التي نستعملها في الأكل، في استعداد لمشاركة رفيقاتنا أعباء المنزل، وكنا نمد يد المساعدة للطلبة الذين يلتجئون إلينا، حسب ما كنا نستطيعه، سواء ماديا أو معنوياً....


لم نكن عنيفين، حتى الأكثر منا قوة بدنية، كان مسالماً... كان الشهيد عبد الحق شباضة، الحاصل على حزام أسود في أحد فنون الحرب، يستسلم في كل مواجهة بدنية ضد الطلبة الإسلامين، وضد عناصر الحرس الجامعي، وهو القادر لحظتها على تعنيفهم... 


هل كان الانتماء إلى القاعدين سبة وشتيمة؟ هل ما آل إليه منتسبوا هذا الفكر، في الراهن الآن، مبررا كي نرمي الجنين رفقة الماء العادم؟ 


الأصدقاء الذين اقتسمت معهم هذه التجربة، تحولوا بشكل إيجابي نحو أفكار وتنظيمات أكثر واقعية وتحول معهم حلمهم في بناء البلد بما يليق بهم، هم الآن منخرطون في بناء هذا الوطن كل من موقعه، أطر إدارية رفيعة، مهندسون، أساتذة جامعيون، ورجال شرطة ومخابرات... نعم، في المخابرات، الكثير من أطرها كانوا منتسبين إلى فصيل الطلبة القاعديين، وهم هناك، لأن قراءاتهم للواقع تعتمد على أدوات التحليل التي تعلموها في ممارستهم السياسية ضمن هذا فصيل .... 


الذين اقترفوا جريمة القتل والتي ذهب ضحيتها الطالب الحسيني لا علاقة لهم بالفكر القاعدي، ولا علاقة لهم باليسار في نبله الإنساني والفكري، هم قتلة فقط، يحملون بطاقات الطالب فقط... هم ظلاميون، مثل الذين قتلوا آيت الجيد في زمننا..


لم يقتل الحسيني وهو يرتشف كوب عصير، أو وهو يؤدي صلاة العصر، ولا حتى وهو يحصل درسا في المدرج، قتل في مواجهة بين فصيلين، في حرب بدائية حول فكرة لا تحتاج إلى حرب.... قتل وهو ينتمي إلى فصيل يقترف العنف بدوره... 


من المسؤول عن هذا الوضع؟ الجواب السهل هو أننا جميعا مسؤولون، نحن الذين لم نستطع تسليم مشعل هذا الإنتماء، في حلته الثورية النقية، القابلة لمسايرة تطور البلد والنابذة للعنف بكل أشكاله، الدولة مسؤولة أيضاً، وهي لا تباشر بشكل جدي ظاهرة العنف في الوسط الطلابي، وتستكين لتبرير سمج، كون ما يقع هي صراعات سياسية، الإسلاميون مسؤولون بنفس الحجم، لأنهم مارسوا العنف طيلة تاريخهم، مثلهم مثل كل الفصائل غير الناضجة داخل الجامعة، وغاب عنهم التقدير السليم للوضع داخل الجامعة وهم يباركون تنظيم ندوة، تمنعها الإدارة أولا، ويشارك فيها حامي الدين المنتمي إلى العدالة والتنمية بكل ما لمشاركته من رمزية في ذاكرة الطلبة القاعديين، وعلاقته بمقتل آيت الجيد بنعيسى .... 


الجواب الصعب عن المسؤولية يستلزم إعادة النظر في كل التراكيب والأنساق الفكرية التي تؤطرنا.....


مات آيت الجيد بنعيسى، ومات عبدالرحيم الحسناوي... قتلهم الجهل، والإنغلاق والتطرف....


كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
جرائد بداية الأسبوع : شباط يتهم زوج الحقاوي ب"التحرش" بالطالبات
»
Previous
حملة اعتقالات واسعة لنشطاء فصيل يساري بعد مقتل طالب إسلامي في جامعة فاس

ليست هناك تعليقات:

دع تعليقك