د.عبد الرحيم بوعيدة
…لم أكن أعلم أن اللغة العربية ماكرة إلى هذا الحد وأنها قادرة على إشعال فتيل الغضب و الغيرة في قلوب البعض حد إحساسهم بالاهانة إلا عندما تابعت النقاش العمومي حول كلمة وردت في توصية حكومية مغربية خاصة ببعض مدن الصحراء ….
… النقاش حول الكلمة التي وردت في التقرير الذي يدور حول ضرورة التفاعل الايجابي والسريع مع الشكايات ” ولاسيما ” الواردة من العيون والداخلة والطنطان، يعكس في حقيقة الأمر إشكالية اكبر من مفردات اللغة التي تم جلدها في هذا النقاش واتهامها هي الأخرى بالانفصال عن باقي أخواتها لأنها فقط عكست وضعا رأى فيه البعض تفضيلا أو تمييزا مهينا لباقي المناطق المغربية، وفي هذا عدم استيعاب الطبقة السياسية المغربية للمشكل نفسه المتعلق بقضية الصحراء والذي لازال البعض إلى حد الآن يصر على التعامل معه بمنطق القضايا الداخلية التي يمكن تدبيرها بشكل أحادي في تجاهل تام للقرارات الدولية ولغياب السيادة القانونية على الإقليم نفسه محل النزاع، هذا التجاهل وعدم القدرة النفسية على تقبل وضع يتفاوض عليه المغرب رسميا هو الذي أدى إلى عدم القراءة الجيدة و العلمية للسياق الذي وردت فيه هذه الكلمة التي خصت الأقاليم الصحراوية بوضع خاص في حركة إستباقية مفضوحة تعودنا عليها دائما قبل حلول شهر أبريل الذي يعد شهر الصحراء بامتياز…
… الأفضلية التي أغضبت البعض حد إحساسه بالإهانة كما ورد تماما في افتتاحية للسيد بوعشرين عدد 1319 بتاريخ 15 مارس 2014 والتي عنونها ” بالإهانة ” وقال بالحرف الواحد ” شعرت بالإهانة بعد أن سمعت وزير الاتصال يردد هذه الجملة… خاصة الشكايات القادمة من العيون، الداخلة، طانطان … دون أن يرف له جفن أو تعلو وجهه حمرة خجل لماذا ؟ ما معنى أن تعلن الصحراء محمية حقوقية … ؟؟؟ “.
… هذا التمييز الأستاذ بوعشرين ليس منحة من الدولة المغربية و ليس حبا للصحراويين بل نتيجة تاريخ طويل و مسار معقد من النضال لأبناء و نساء الصحراء بدئ بالإهانة و الحكرة التي أحسست أنت بها الآن وأحسها قبلك المرحوم ” الوالي مصطفى السيد ” … هذا الإحساس بالمهانة هو الذي أوصل الإقليم إلى وضع دولي شائك لم تعد الدولة المغربية وحدها هي المتحكمة فيه بل هناك أطرافا رئيسة فاعلة في هذا النزاع وما قبول المغرب الجلوس على طاولة المفاوضات إلا اعتراف واضح بالطرف الثاني …
…السيد بوعشرين لسنا مسئولين عن الإهانة ولم نطلب يوما وضعا تفضيليا عن باقي المناطق إنه فقط مكر التاريخ تماما كما يقول ” هيجل “، و تكريس لوضع قائم يجب أولا الاعتراف بوجوده حتى يمكن أن نلتقي عند نقطة الحل …
… لك السيد بوعشرين ولكل الطبقة السياسية المغربية أن تشكر الصحراء لأنها تساهم دوما في دمقرطة المغرب حتى و لو أنكرتم ذلك أو استكثرتموه على جماعة البدو التي تحب تسميتها بالمؤلفة قلوبهم …الصحراء هي من حرك النقاش حول الجهوية و الحكم الذاتي، وهي من ساهمت في الإسراع بإخراج هذه التوصية التي أغضبتكم وهي أيضا من ألغى نهائيا محاكمة المدنيين أمام المحكمة العسكرية بعد أن أدت مهمتها في إصدار الأحكام الجائرة ضد معتقلي اكديم إزيك، أما تاريخيا فالصحراء كانت دوما متنفسا لكل الدول التي مرت من المغرب ولازالت تلعب دورا كبيرا في التوظيف السياسي لحشد إجماع قد يحتاجه المخزن بين الفينة و الأخرى حين يشتد الخناق…فمن يجب أن يشكر من ؟…
… السؤال المغيب يا سيد بوعشرين هو : ماذا لو لم تكن الصحراء أصلا موجودة ؟ وفي هذه الحالة ألا يحق لكم أن ترددوا مع الشاعر الكبير نزار : ” الصحراء بعض من تخيلنا … إن لم نجدها على الأرض لاخترعناها ” … نزار هنا يتحدث عن الحب و انتم لولا الصحراء لكانت أمور كثيرة تغيرت … في البيت الشعري السيد بوعشرين مكر السياسة وليس تضخما في الأنا …
… لماذا غضبتم من ” لاسيما ” التي لسنا مسئولين عن إدراجها في التقرير بل شهر أبريل هو المسئول والمتهم دوما بإحداث المفاجأة وأنتم مطمئنون هذه السنة أنه سيمر عاديا لأن هناك توافقات مغربية أمريكية أبعدت شبح توسيع الصلاحيات لكنها لن تنقص أبدا حجم الثقوب المحدثة في العلاقة المغربية مع أبناء الصحراء وهذا هو الثابت أما الباقي فهو متحول تماما كأشياء كثيرة مرهونة بحسابات الآخر … لماذا لا تغضبون معنا على توقف الطريق السيار عند حدود مدينة أكادير ومعه الجامعات والمستشفيات المتخصصة ومخطط المغرب الأخضر ومشروع وصال ووو … ؟ لماذا لا تغضبون معنا حين تسحل النساء وترمل وييتم الأطفال ويضربون ويهان الشيخ ويلعن ووو … ؟ لماذا لا تطالبون معنا بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين الصحراويين على خلفية آرائهم السياسية ؟ ألا تطالبون دوما بإطلاق سراح معتقلي السلفية الجهادية … ؟ لماذا ولماذا … ؟؟؟ فقط ” لاسيما “هي التي أثارت حميتكم الوطنية وحركت حسدكم لنا حتى على مستوى اللغة … لا تنزعجوا فالتوصية مجرد حركة استباقية وهي إجراء ترقيعي ككل الإجراءات الترقيعية التي تدار بها الصحراء منذ أكثر من 40 سنة والتي لن نصدقها لأنها مجرد تيمات لربح الزمن … في نزاع يدار بهاجس شهر أبريل …
… السيد بوعشرين قلت ” أن الدولة لن تراعي حقوق المواطنين إلا إذا كانوا انفصاليين ولن تحمي حقوق الإنسان إلا لمن يصرخ في نيويورك وجنيف وباريس …” …. الانفصال سيدي المحترم مصطلح مغربي اخترعته الدولة المغربية لأنها لا ترى في الصحراويين أكثر من مرتزقة وانتهازيين لا يملكون حق الاختلاف أو الاستقلالية في الرأي، فهم في نظرها قطيع إبل إما تابع للمغرب أو للجزائر ليس لهم كيان مستقل يعبر عن تطلعاتهم …
… السيد بوعشرين الديمقراطية التي تدافع عنها تقتضي الحق في الاختلاف والتعبير عنه بصورة حضارية وعلمية، وحين قبل المغرب مبدأ المفاوضات كآلية للحل، عليه أن يدرك أنه وضع الصحراويين أمام خيارين لا ثالث لهما ومن سيربح المعركة هو من يملك آليات التسويق بشكل جيد، من خلال الديمقراطية نفسها مصحوبة بتنمية شاملة وشمولية، أما الانفصال كعباءة فقد أصبح واسعا على هذه المرحلة المتقدمة من النزاع …
… وأما الصراخ في عواصم العالم فهذا حق مشروع تفرضه طبيعة المعركة وحق كل طرف في الدفاع عن خياراته أمام الآخرين بواسطة آليات علمية تؤمن بعدالة قضيته وبمجتمع مدني مستقل وحر في الحركة، وأجزم أن المغرب لا يملك ذلك لأنه لا يمنح الصحراويين حتى الحق في الصراخ فهو يقوم بذلك نيابة عنهم كما فعل بنا في نيويورك أكتوبر الماضي حين ساقتنا وزارة الداخلية كالقطيع تحت إشراف عامل وباشا وقايد، والسيد الباشا هو من تولى كتابة المداخلات … ولك السيد بوعشرين أن تتخيل حجم المهانة إنها لا تساوي إطلاقا ما أحسست به مع ” لاسيما “ !!!! … شخصيا رفضت الأمر وأدركت حينها أين يوجد ملف الصحراء وبأي عقلية يدبر …
… رحلة نيويورك بالمناسبة كانت من رحلات الريع الذي تذوقناه لأول مرة رغم مرارة طعمه لدينا … لذا نعتذر للصحراء على ريع جائنا خطئا لأننا لم نكتب يوما من أجله ولن نسعى إليه … وعزائنا اننا اكتشفنا في تلك الرحلة أشياء كثيرة مهمة …
فلتقبل الصحراء اعتذارنا وليفهم أهلها سبب التجربة … ولك السيد بوعشرين كامل الاحترام
إقرأ أيضا للأستاذ عبد الرحيم بوعيدة : هنا
ليست هناك تعليقات: