أسا بريس : عن جريدة المناضل | |
نشر المقال التالي بالعدد 32 من جريدة المناضل-ة شهر ديسمبر 2010 بعد شهر من إقامة مخيم نازحي العيون المطالبين بحقهم في السكن والشغل ودخل يقي شر البطالة، تدخلت قوات القمع على حين غرة لتفكيكه من قاطنيه الذين ناموا ملء جفونهم بعد أن اطمأنوا إلى "خطاب ذكرى المسيرة الخضراء" الذي استشفوا منه قرب الاستجابة لمطالبهم. | |
![]() أثار تفكيك المخيم بذلك الشكل العنيف و المخيب للآمال التي استثارها اقتراب التمتع بالسكن وبالحق في الشغل وبطائق الانعاش، رد فعل عنيف من طرف المحتجين ذهب ضحيته مجموعة من أفراد قوات القمع، بالإضافة إلى إلحاق أضرار بالمنشئات الرسمية والخاصة. رد فعل عنيف استغلته الدولة وأبواقها الصحافية لشن هجوم إعلامي كاسح على فكرة الاحتجاج بذاتها، معبدة بذلك الطريق أمام تجريم أي حركة احتجاجية كيفما كانت مطالبها بالمنطقة. "المغرب في حالة حرب"، هكذا صرخت إحدى أكثر الصحف الليبرالية لعقا لأحذية الاستبداد؛ يومية الصباح. ولكم أن تتصوروا التبعات السياسية والأمنية لهذه العبارة: إعلان حالة استثناء ليس في الصحراء فقط بل في البلد ككل. وهذا ما قصده أحد مداحي الاستبداد في عموده الشهير بجريدة المساء حين عاب على "منظمي الإضراب في قطاع العدل" عدم تقديرهم "الظروف الاستثنائية التي تمر منها البلاد بسبب ما حدث في العيون، ويعلقوا إضرابهم الذي أعلنت عنه النقابة الديمقراطية للعدل لمدة 72 ساعة..". وطلب منهم تعليق "إضرابهم بالنظر إلى الظروف الاستثنائية التي تعرفها الأوضاع في الصحراء، وما يفرضه ذلك من تجند لموظفي العدل إلى جانب موظفي الأمن والقوات العمومية لفرض النظام وتطبيق القانون. (المساء، العدد 1288، 11/11/2010). إجماع وطني جديد: في وقت تتسارع فيه مشاريع رهن اقتصاد البلاد للرأسمال الأجنبي، وما يترتب عن ذلك من ويلات البطالة وشتى صنوف الإقصاء الاجتماعي، مع ما يستثيره ذلك من احتجاجات شعبية. فالصحف الليبرالية تنبه الدولة إليه بمنطق الخائف على الاستقرار والسلم الاجتماعيين، حيث سبق لجريدة المساء أن نبهت إلى أن "لجوء حكومة عباس إلى الاقتراض الخارجي يهدد السلم الاجتماعي" (العدد 1261، 11/10/2010). وجدت الدولة ومعها الأحزاب الفاقدة لكل مصداقية وصحافة السوق اليبرالية فرصتها في أحداث العيون لبعث الإجماع الوطني من جديد، وجعله صمام أمان أمام احتجاجات شعبية لا تكف عن النمو. الكل يطالب بالضرب بيد من حديد على من ضيعوا هيبة الدولة ومرغوا كرامتها في التراب. وفي الوقت الذي تصدر فيه تقارير تشير إلى التراجعات في المجال الحقوقي، تتأسف جريدة الصباح على "جو الانفتاح الديمقراطي واتساع هامش الحريات" الذي "ظل يسير بسرعة أكبر من السرعة العادية التي تسير عليها الانتقالات الديمقراطية في مختلف البلدان التي عاشت تجارب ديمقراطية فتية". ودعا لطافي، عضو الديوان السياسي لحزب (نبيل بن عبد الله)، حزب التقدم في خدمة الاستبداد والاشتراك في إعدام الحرية، إلى ضرورة "استباق الأمور قبل استفحالها، كان من الضروري إزالة الخيمة الأولى.." (الصباح، العدد 3296، 15/11/2010). أي الدعوة إلى قمع الاحتجاج منذ بداياته. جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان إضافة إلى الفرق بمجلس المستشارين (تاج الديمقراطية الحسنية) أجمعت على إدانة العنف والتخريب والتنويه بما تحقق من مجهودات تنموية بالأقاليم الجنوبية. متناسية أن المخيم والنزوح كانا احتجاجا على غياب تلك التنمية وعلى الحرمان من الحقوق الإنسانية الأساسية. لماذا قمع مخيم "كديم إيزيك"؟ 1. شكل نزوح قسم من سكان العيون إلى مخيم "كديم إيزيك" نقلة نوعية في الاحتجاج والنضال الاجتماعي بالمنطقة، لذلك استحق غضب الرجعيين بأحزابهم وصحفهم، الذين اختاروا تشويه سمعة المخيم والمحتجين، بالحديث عن استغلاله من طرف "المجرمين من ذوي السوابق والموالين للبوليساريو والجزائر"، ممهدين الطريق أمام آلة القمع لتفكيك المخيم. 2. شكل المخيم ضربة قوية لسياسة دامت عقودا. سياسة قائمة على منح امتيازات لشيوخ وأعيان المنطقة باعتبارهم مفتاح الضبط الأمني، في محاولة الإبقاء على هياكل قبلية تجاوزها التطور الاجتماعي والاقتصادي بالمنطقة. لقد تطورت المدن الكبرى وتحولت إلى أقطاب اقتصادية تجلب ضحايا نظام الاستغلال والنهب من كل مناطق المغرب، و توسعت أفواج الملتحقين بالتعليم العمومي وما ينتجه ذلك من نمو تطلعات الترقي الاجتماعي. هذه التحولات الاجتماعية لم تستطيع السياسة المتبعة احتواءها وهو ما تعترف به كل الصحافة اللبرالية الهائجة وتدعو إلى انتهاج سياسة جديدة قائمة على الانفتاح على النخب الجديدة ذات الكفاءات الجيدة. 3. إن الحديث عن عدالة المطالب التي رفعها النازحون، تستدعي تحديد المسؤول عما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية بالصحراء، رغم ضخامة الميزانيات المخصصة لها. وهو ما حاولت هذه الصحافة المنافقة تغطيته بدخان خطابات استهداف الوطن والمؤامرات الخارجية. فتوجيه الاستياء الاجتماعي إلى الخارج واستعداء الجماهير تجاه العدو الخارجي المتربص "بنا"، مهرب من البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة الجوهرية. إن كلام الدولة عن عدالة مطالب اكديم ايزيك اعتراف جلي بمسؤوليتها المباشرة عما آلت إليها أوضاع المحتجين المعيشية، وهي ذاتها في مجمل مناطق المغرب. أوضاع سببها المباشر تطبيق المغرب لسياسات مؤسسات الرأسمال العالمي. 4. شكل مخيم "كديم إيزيك" شكلا نضاليا مبنيا على تعبئة الجماهير نفسها ومتابعتها المباشرة لمسلسل الاستجابة لمطالبها، خارج القنوات الرسمية ووساطة الشيوخ والأعيان الذين اغتنوا من نهب المنطقة ورشاوى الدولة. كان المخيم إذن تجاوزا لهذه الهيئات الوسيطة، تجاوز وصل درجة رفض ممثلي السكان حضور الأعيان في أي جلسة حوار مع السلطات لأنهم جزء من المشكل ولا يمكن أن يكونوا طرفا في الحل. تجاوز أصاب هؤلاء الشيوخ بالإحباط لدرجة "رد أحد الشيوخ على طلب خليهن ولد الرشيد، في اجتماع له بالعيون، بضرورة أن يتدخل شيخ كل قبيلة لسحب أفراد قبيلته من المخيم، حين قال إن لا سلطة لهم على هؤلاء الأفراد". (الصباح، العدد 3296، 15/11/2010) لقد كان مخيم "كديم إيزيك" بذرة حركة طبقية تتجاوز الانقسامات القبلية التي سعت الدولة لتأبيدها بالمنطقة. فالولاء لقبيلة معينة دون أخرى لم يكن من شروط دخول المخيم، بل كان مفتوحا في وجه المحرومين من السكن و الحق في الشغل وإن اقتصر على من أطلق علهم "سكان المدينة الأصليين". 5. عدم الثقة هذه تجاوزت شيوخ القبائل لتنال أيضا جهاز الدولة. فالسكان لم يثقوا في وعود السلطات واشترطوا تحقيق المطالب على أرض الواقع لتفكيك المخيم، لأنهم ملوا الوعود والكلام المعسول. وهذا منطق سليم من منظور من أخذ العبرة من تفكيك تعبئات نضالية بالوعود والمماطلة وتعتبر حالة الحركة النقابية المغربية نموذجا على ذلك الأسلوب، ففي الوقت الذي تلهي به الحكومة المركزيات النقابية بالحوار الاجتماعي والوعود يستمر مسلسل الهجوم على حقوق الشغيلة وأجورها وتقاعدها. 6. مصادفة مخيم الاحتجاج لإحدى جولات المفاوضات السرية بين المغرب والبوليساريو بأمريكا، وهو ما اعتبرته جريدة "أخبار اليوم" في إحدى افتتاحياتها توقيتا غير مناسب للاحتجاج، بل الوقت لدعم المفاوض المغربي الذي يدافع عن وحدة الوطن. وهو منطق غير مقبول في حركة احتجاج يجب أن تكون معنية بحقوق قاعدتها الجماهيرية وليس بالمناورات الديبلوماسية السرية للدولة المستغلة والقامعة. 7. خوف النظام من التعقيدات الدولية، التي قد يؤدي إليها طول بقاء المخيم، مع ما يمكن أن يحمله تطور الوضع، نحو طلب تدخل دولي، وهو ما لوح به المعتصمون. وقد ظهر أن منظمي المخيم كانوا ينوون تحويله إلى إقامة دائمة، يؤشر على ذلك تقسيمه إلى دوائر وتعيين رؤساء لها، وتقسيمه إلى أزقة وشوارع مع إطلاق أسماء عليها. إن القمع موجه أساسا ضد تحويل المخيم إلى إقامة دائمة. لكل هذه الاعتبارات قمع مخيم "كديم إيزيك". أما تبريرات الدولة من قبيل أن المخيم أصبح وكرا "لذوي السوابق الذين احتجزوا الشيوخ والنساء والأطفال" إضافة إلى تهمة "دخول الانفصاليين على الخط"، فليست إلا ذرائع استعملتها الصحافة لتبرير القمع. حملة دعائية تمهيدا للقمع: قمع مخيم "كديم إيزيك" من طرف أبواق النظام الصحفية المأجورة، أياما قبل التدخل العنيف لقوى القمع. جرى قصف الرأي العام بشكل يومي بأكاذيب وأضاليل عن أن المخيم ذو المطالب الخبزية جرى تحويل مساره نحو مصالح سياسية "وأجندة خارجية مخدومة" عبر تقارير لصحفيين نذروا أنفسهم لخدمة "أجندة الدولة السياسية المخدومة". تحدثت هذه الصحف عن منع "عصابات إجرامية" للسكان الذين يريدون إخلاء المخيم واحتجازهم من طرف "ميليشيات مسلحة من ذوي السوابق العدلية"، في تناقض تام مع ما كانت تنشره من قبل بشأن حسن تسيير المخيم من طرف اللجنة المنظمة التي تعمد إلى تسليم المشاغبين إلى الدرك الملكي، بل كانت تسمح لقوى القمع بالدخول لتفتيش المخيم. وفي تناقض أيضا مع تصريحات النازحين الذين نفوا أيا من هذه الاتهامات وأكدوا أن المخيم كان منظما أحسن تنظيم وأن أيام النزوح كانت أشبه باحتفال يومي لا يعكره إلا تهديدات الدولة بالتدخل لفكه من حين لآخر وهذا ما أكده وفد مدينة سيدي إفني الذي زار المخيم وأقام فيه لأيام. جو الانضباط هذا أكدته حتى جريدة المساء "ذكرت مصادر مطلعة في مدينة العيون أن عمليات إحصاء السكان النازحين إلى المخيمات بدأت في أجواء هادئة ومشجعة.. ورجحت المصادر مواصلة هذه العملية في إطار مظاهر التعاون التي عبرت عنها الغالبية العظمى من السكان المعنيين.. ووصفت المصادر الأجواء السائدة بأنها تتسم بالهدوء والرغبة في حل المشاكل. (المساء، العدد 1280، 02/11/2010.)، قبل أن تتبنى هذه الجريدة رواية أخرى. وهو نفس ما أكده بلاغ حزب العدالة والتنمية بعد زيارة وفده بقيادة مصطفى الرميد للمخيم. فالذين سيوصفون بالإرهابيين لاحقا هم أنفسهم الذين حضروا جلسات الحوار مع والي المدينة نيابة عن المحتجين. تحدثت الصحافة أيضا عن نية الدولة السليمة في الاستجابة للمطالب وأكبر دليل على ذلك هو "تنازلها عن كرامتها" على حد تعبير جريدة الصباح والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع ممثلي السكان: "تعاملت السلطات بحسن نية مع المحتجين منذ البداية.." مركزة في الجهة المقابلة على "أن هؤلاء، لم يبدو حسن النية، كما لم يتحلوا بالجدية المطلوبة". (تصريح طالب، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية وكاتب عام رابطة المدافعين عن حقوق الإنسان بالصحراء. لجريدة الصباح، عدد 3297، 16-17-18/11/2010). "عناصر مشاغبة، مجرمون ذوو سوابق وفارون من العدالة، تجار تهريب ومخدرات، مرتبطون بلوبي الصيد البحري الإسباني بالإضافة إلى أيادي الجزائر والبوليساريو احتجزوا السكان المسالمين الذين أرادوا مغادرة المخيم بعد الاستجابة لكل مطالبهم "الخبزية والاجتماعية الصرفة"، ووصلت الصفاقة حد ربط ما وقع بتنظيم القاعدة. تلك هي غابة الدجل والكذب والبهتان التي غطت نبتة الاحتجاج الاجتماعي في رمال الصحراء. امتد الكذب لينال نتائج مسلسل الحوار بين أجهزة الدولة وممثلي النازحين. كذب ممزوج بالتناقض بين تصريحات الصحف والبرلمانيين. فتارة يتحدثون عن قرب الاستجابة للمطالب، وتارة عن الاستجابة لبعض مطالب المحتجين، ومرة أخرى عن الاستجابة لكل مطالب المحتجين. وفي جلسة "الاحاطة علما" بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء الموالي للأحداث، لم يجد رؤساء الفرق حرجا في التصريح بأن الدولة استجابت للمطالب والدعوة في نهاية الكلمة لعقد اجتماع لجنتي الشؤون الداخلية والخارجية للبحث عن حلول للمشاكل الاجتماعية التي أدت إلى النزوح. مع التشديد على ضرورة الضرب بيد من حديد على أيدي المتسببين في ’’أحداث الشغب’’، و مزايدة شوفينية بين الفرق البرلمانية. كانت حجة هذا الدجل هو 600 بقعة تم منحها لنساء المخيم و90 بطاقة إنعاش، لكن المحتجين نفوا أي استفادة، مشيرين أن هذه البقع و البطائق لا علاقة لها بالمخيم، بل مرتبطة بإحصاء يعود إلى سنة 2008/2009 مخصص للأرامل والمطلقات المعوزات اللواتي لم يستفدن قط من نظام الامتيازات والإعانات ، و لم يستفدن إلى حدود الآن (انطلاق المخيم) رغم كل تلك الضجة. لقد كانت هذه الجرائد شريكا في تفكيك المخيم وبالتالي مسؤولة عن تبعات ذلك التفكيك المباشرة وغير المباشرة. لقد تمت إعادة نفس سيناريو قمع معتصم الميناء بسيدي إفني 2008؛ الحديث عن المطالب الاجتماعية ومحاولة الدولة حل المشكل بالحوار وركوب عناصر مشاغبة تريد تسييس المطالب على الحركة ثم التدخل العنيف لفك المخيم. الجديد في حالة العيون أن الدولة لم ترد أن تتورط في قمع قاس كما وقع في إفني يجر عليها ويلات الاستنكار الدولي، و تضامنا عالميا مع المحتجين، لذلك تحدثت بعد انفلات الأمور عن ضبط النفس وفك المخيم طبقا لإجراءات القانون. أحداث الاثنين الدامي: استبشر النازحون بقرب نيل المكاسب بعد خطاب الملك بمناسبة المسيرة الخضراء، وعمت حالة فرح كل سكان المخيم. ورغم أن بعضهم حذر من احتمال تدخل القمع إلا أن حالة الاستبشار كانت الغالبة. دعت السلطات ممثلي السكان للحوار، ولبت اللجنة التنظيمية الدعوة، وتوجه أربعة من أعضائها للقاء المسؤولين، فلم يتمكنوا من العودة إلى المخيم. بدأ تطويق المحيط المباشر للمخيم منذ الرابعة صباحا. وفي الساعة السادسة صباحا كان صوت بنبرة صحرواية يطلب من النازحين عبر مكبر صوت من طائرة الهيلكوبتر، التوجه إلى حافلات المكتب الشريف للفوسفاط قصد مغادرة المخيم مخبرا إياهم بالاستجابة للمطالب. في نفس الوقت كانت سيارات الدرك الملكي والقوات المساعدة إضافة إلى سيارات الوقاية المدنية قد بدأت بتفريق المحتجين بالماء الحار وإنزال الخيام. رد المعتصمون بعنف على عملية التفكيك، وسقط الضحايا في صفوف رجال القمع. وهذا موقف طبيعي، فرجال القمع ما كانوا ينتظرون أن يستقبلوا بالورود من طرف سكان تم خداعهم بالوعود حتى آخر لحظة ليتم تفريقهم وقمعهم بتلك الطريقة. اتخذت الأحداث طابعا مأساويا بعد وصول جموع المحتجين إلى مدينة العيون، حيث تحول الاحتجاج إلى تمرد جماعي ضد كل رموز السلطة والاغتناء بالإضافة إلى المحلات التجارية لصغار التجار؛ ضحايا الوعي المشوه للصحراويين الذين يعتبرون الوافدين من الداخل سبب مآسيهم (تماما كما يعتبر العاطلون السوسيون سبب مآسيهم في احتكار الفاسيين للتجارة الكبيرة والاستئثار بالمناصب، أو كما يعتبر اليمين المتطرف بأوروبا المهاجرين سبب بطالة الأوروبيين). وقد كان أنصار البوليساريو في الداخل جزءا من هذا التمرد بطبيعة الحال ولكن لم يكونوا هم صانعوه كما روجت ذلك الدولة وإعلامها. تحدث حمودي إيكيليد، رئيس فرع العيون للجمعية المغربية لحقوق الإنسان عن قيام الأمن المغربي بـ"حملات واسعة للاعتقالات غير القانونية" و"تفتيش المنازل"، كما أشار إلى أن الأمن استخدم الكلاب لتفريق الناس، مبرزا أن كل هذا من شأنه أن ينعكس سلبا على وضع حقوق الإنسان في المنطقة".( أخبار اليوم، العدد 288، 10/11/2010). الدولة فسرت حركة التخريب تلك، بكونها موجهة من طرف البوليساريو والمخابرات الجزائرية. وقد سايرتها الصحافة الحزبية الموالية وتلك التي تعتبر نفسها مستقلة في روايتها تلك. إن الحديث عن الأيادي الخارجية ليس موجها لتفسير ما حدث، بل استباقا لما سيأتي من نضالات بالصحراء. فسيف التخابر مع دولة معادية سيبقى كسيف ديموقليس، مسلط على رقاب كل من يتجرأ على النضال والاحتجاج. ما يلفت النظر، أن السلطات لم تسمح لأي طاقم صحفي بالتواجد في العيون لتغطية الأحداث. وحتى جريدة أخبار اليوم اعترفت بذلك بأسى: " في الوقت الذي غابت فيه وسائل الإعلام المغربية عن نقل تفاصيل ما وقع بالعيون يوم الاثنين الماضي... وبالرغم من توفر المغرب على مجموعة من القنوات العمومية.. فإن المغاربة اضطروا إلى انتظار الساعة 8 مساء لسماع الرواية الرسمية المغربية للأحداث، اللهم إذا استثنينا البلاغات اليتيمة التي كانت تقدمها وكالة المغرب العربي للأنباء. كما أن التغطية التلفزية تميزت بالتقريرية، ولم تنقل الصور الأساسية للأحداث والمرتبطة بأعمال التخريب". "وتطرح الطريقة التي تعاملت بها وسائل الإعلام المغربية مع أحداث الاثنين العديد من الأسئلة حول البطء في إيصال المعلومة في زمن السرعة. كما أن المغرب غائب بشكل فظيع على الشبكة التي تروج فيها أطروحة الانفصاليين، في الوقت الذي يبدو فيه الخطاب المغربي موجها إلى أكثر منه إلى الرأي العام الخارجي".( أخبار اليوم: 289، 11/11/2010). "الصحافة المغربية" لم تكن متواجدة في عين المكان أثناء اندلاع الأحداث ورغم ذلك تتحدث عن ضلوع الجزائر والبوليساريو الأكيد في الأحداث وعن "ميليشيات الانفصاليين"، كل ذلك استقته من "بعض الأوساط المطلعة" و"المصادر المتواجدة بعين المكان" وتحدثت جريدة الاتحاد الاشتراكي عن "المعلومات التي استقيناها من هنا وهناك". وليست هذه المصادر سوى بلاغات وزارة الداخلية وتصريحات خالد الناصري الذي سبق وأن أرسل كل من يريد استغلال مخيم العيون في اتجاه سياسي إلى مزبلة التاريخ، متناسيا أن القمع الوحشي و التهميش و التفقير هو ما تعلمه من همجية التاريخ. بماذا نفسر ما وقع؟ بعيدا عن لغة التآمر المستقاة من "المصادر المطلعة"، هناك أكثر من فرضية لتفسير حالة "التخريب" الذي وقع بمدينة العيون بعد تفكيك المخيم. إن تخريب "الممتلكات العمومية" سمة أساسية في المرحلة البدائية لاستيقاظ الجماهير. هذه الأخيرة يكون وعيها السياسي في حدوده الدنيا، تنحو نحو اعتبار كل ما يرمز إلى السلطة أهدافا مشروعة. وقد وقع هذا في صفرو إبان الاحتجاج ضد موجة الأسعار وشهدناه في الاحتجاجات الطلابية باليونان منذ أكثر من عام وفي احتجاج المغاربة بمليلية بل حتى في احتجاج طلبة أكثر الديمقراطيات البورجوازية عراقة: بريطانيا حيث عمد الطلاب إلى تخريب مقرات حزب المحافظين المسؤول عن إجراءات التقشف الجامعي. وفي نفس الوقت اندلعت أحداث "شغب" في الأردن احتجاجا على نتائج الانتخابات. إن وعيا سياسيا عاليا ناتجا عن تجربة نضالية مديدة هو الذي سيدفع الجماهير إلى اعتبار تلك المؤسسات ملكا عاما يجب الحفاظ عليه إلى حين مصادرتها من أيدي الرأسماليين مضطهدي الشعب قصد تسييرها لمصلحة أغلبية الشعب. وهذه مرحلة لم تبلغها بعد جماهير المغرب. إن حالة "التخريب" هذه تبين درجة هشاشة وسرعة عطب رد الفعل الشعبي ضد القمع. فقد تحول المخيم بعد تفكيكه إلى حركة عفوية دون أفق مطلبي أو سياسي، حركة أصبح هدفها الوحيد التنفيس عن مشاعر الغضب والنقمة والانتقام من رجال القمع وكل رموز السلطة. حتى بافتراض تورط ميليشيات مسخرة وممولة ومدربة من طرف المخابرات الجزائرية. فالتساؤل عن من وفر لهم الجو المناسب، يظل مشروعا. فلماذا لم تظهر هذه العناصر وتقتل "رجال الأمن" طيلة شهر من تواجد المخيم حيث لم تسجل ولو حالة واحدة من الاعتداء على "رجال الأمن". إن حالة القتل الوحيدة المسجلة هي التي اقترفتها الدولة في حق الطفل "الكارحي". من وفر إذن الفرصة لهذه الميليشيات "الشبح"؟ وكيف ظهرت من العدم صبيحة يوم الاثنين؟. إن الدولة بتفكيكها المخيم بذلك الشكل، أفقدت المعتصمين لحمتهم وشتت تلك اللجنة المنظمة المنوه لها بحسن التسيير والتنظيم حتى من طرف من سيهاجمونها لاحقا، فالدولة هي المسؤولة المباشرة عن ذلك "التخريب" ووفاة رجال القمع. إن شارع سمارة- موقع الأحداث الرئيسي- باتساعه وضخامة أبنية المؤسسات التي تعرضت للتخريب تحتاج إلى متسع كبير من الوقت. ونحن نتساءل ألم تتغاض قوى القمع طيلة تلك اللحظة؟ كان يكفي تواجدها بالشارع حتى يتحول انتباه من قاموا بتلك الأعمال إما إلى الاختباء والاحتماء أو تحويل انتباههم تجاهها. وهذه ملاحظة نقلتها جريدة أخبار اليوم على لسان أحد سكان العيون: "اجتاح شوارع المدينة شبان ملثمون وانفلت الوضع بشكل كلي، ويؤكد حسن أنه لم يلحظ وجود الأمن بحي الفتح ولا في المنطقة الممتدة بين شارعي طانطان وبوكراع حيث بلغت أعمال العنف والتخريب مداها". (أخبار اليوم، العدد 288، 10/11/2010).ألم يكن و الحالة هذه غياب رجال القمع مقصودا لفتح المجال "للمخربين" لإعطاء شرعية لتجريم الاحتجاج و المطالب الاجتماعية؟ إن آخر من يملك الحق في الكلام ضد التخريب هي الدولة والبورجوازية التي تخدمها، باعتبارها المخرب الأول الذي نهب ثروات الصحراء، بحرية وفوسفاط (سبق لنيني الذي استشاط وأرغى حين فضح أمر عائدات صادرات الفوسفاط التي لا تدخل إطلاقا إلى المغرب) بالإضافة إلى اعتبار الميزانيات المخصصة للصحراء مجالا للاغتناء السريع. هذا دون الحديث عن تخريب وتفكيك القطاع العام (الصناعي والزراعي) الذي بني بدم وعرق الشعب ويتم بيعه للرأسمال الأجنبي والمحلي بأثمنة رمزية فيما يلقى بالجماهير إلى مهاوي البؤس والمرض والفقر والبطالة. وهذا غيض من فيض. ما يظهر زيف خطاب الدولة، أن قوات القمع بالعيون قامت بتجييش عصابات من شباب الداخل، هذه البروليتاريا الرثة التي أقصاها نظام الاستغلال الرأسمالي وأصبحت تعيش على هامش المجتمع، وقامت بتهييج مشاعرها الوطنية لتقوم بعملية نهب وتخريب لمنازل الصحراويين. في حركة شبيهة لما قام به هؤلاء للمحلات التجارية المملوكة للسكان القادمين من الأقاليم الداخلية. وهو ما يلقي ضلالا قاتمة على النضال الاجتماعي بالمنطقة ويعتبر خزان أمان بالنسبة للدولة ستستعمله لكبح نضال الصحراويين دون تحمل تبعات قمعهم أمام الرأي العام العالمي. وهذا ما نبهت إليه أمينتو حيدر لجريدة البايس الإسبانية حين عبرت عن تخوفها من أن "المغرب يريد إثارة حرب أهلية بين المستوطنين والصحراويين". (جريدة الصباح، العدد 3295، 13-14/11/2010). نفس التخوف، عبر عنه لجريدة الصباح، البشير الدخيل رئيس جمعية "منتدى البدائل": "أخطر من هذا كله الانفلات الأمني وحدوث مواجهات عنيفة بين فئتين من الساكنة، وهذا الشرخ سيتسع يوما بعد يوم..". (العدد 3297). إن مشاعر الشوفينية بين الصحراويين و"الداخليين" أمر واقع، وهو يشير إلى ضعف التربية السياسية التي تترك الجماهير الصحراوية فريسة لوعي مزيف ومشوه يجعل من "الداخليين" أكباش فداء للسياسات اللاشعبية التي تسنها الدولة المغربية ويذهب ضحيتها الكادحون الصحراويون و"الداخليون" أيضا. إن نكران وجود تجليات العنصرية هذه هو هروب من المشكل دون حله. فقط نداء أخوي من جانب جماهير الصحراء لكسب تضامن الكادحين بباقي مناطق المغرب ونضال مشترك ضد نظام الاستغلال والاستبداد من أجل الحرية وتقرير المصير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لكل مكونات المنطقة هو من سيبعد شبح الحرب الأهلية بالمنطقة. شهداء الواجب الوطني؟ وصلت حصيلة القتلى الرسمية لحدود الآن 11 قتيلا في صفوف رجال القمع، في حين حصرت حصيلة القتلى بين المدنيين في اثنين. انخرطت الدولة بواسطة أبواقها الصحفية في بكائية جماعية منافقة، مستغلة وحشية التمثيل بالجثث التي كان ضحيتها بعض رجال القمع، لكنها لم تهتم لقتل مدنيين و ترويعهم و تعذيبهم في المخافر و الطرقات، و الهدف هو تجييش المشاعر ضد "مليشيات الانفصال" و "دفاعا عن الوحدة الترابية"، مستغلة شباب في ربيع عمرهم ينالون رضا آبائهم ومقبلون على الحياة. هكذا وصل الأمر بجريدة أكبر المتملقين "أخبار اليوم" إلى دعوة الدولة أن تقيم لهم نصبا تذكاريا في أهم شوارع العيون إكراما لهم. و هذا أمر مثير للسخرية في بلاد لم يكرم فيها حتى قائد معركة أنوال، محمد بن عبد الكريم الخطابي، ضد الاحتلال الاسباني. طبعا من حق جهاز الدولة النواح على كبار خدامه المخلصين ولكن هذا ليس من واجب الجماهير الكادحة. فلا يجب أن نتناول ما حصل لرجال القمع بالعيون من زاوية شخصية المتوفين، بل من زاوية وظيفة الجهاز الذين يعملون داخله وأدواره الأساسية. إن جهاز الدرك الملكي هو أمقت أجهزة القمع، أخضع البادية المغربية منذ الاستقلال بالحديد والنار، و أشرف على العديد من عمليات الاختطاف و القتل، وهو يستقطب أشد مشاعر الكره والمقت. جهاز فاسد من رأسه حتى أخمص قدميه قائم على القمع الرشوة وابتزاز القرويين. أما جهاز القوات المساعدة، فهو بطل سلخ وتهشيم عظام المعطلين في حفلات القمع اليومية أمام البرلمان وجميع المؤسسات العمومية. ولا ننسى أنه كان إلى جانب "أخيه في الحرفة": البوليس بطل العقاب الجماعي لمدينة سيدي إفني والتعذيب الجماعي لشبابها وهتك أعراض فتياتها في مخافر البوليس. و مع ذلك فلا يجوز بأي تبرير التمثيل بالجثث و لا إهانة الكرامة الانسانية للمعتقلين، تحت أي ذريعة كانت. أما دموع الدولة وأبواقها الصحفية، فهي "دموع تماسيح محبة للسلام". إن آلاف الشباب لهم أسر هم أيضا تحزن لموتهم يقضون غرقا في مجاهل البحر في اتجاه أوروبا نتيجة سياسة اللاتشغيل التي تنهجها الدولة ولا دمعة في حقهم من طرف هذه الصحافة. الجزائر وإسبانيا: إعلام يشوه نضال الجماهير بالصحراء إن ما يقوم به الإعلام الإسباني والإعلام الجزائري بالدرجة الأولى من تلاعب بالأخبار والمعطيات، مرفوض كليا لأنه تزييف للحقائق ويعطي للدولة المبررات لتسويغ القمع. وهو ما فطنت له الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر في حوار مع جريدة "الباييس" الإسبانية جوابا عن سؤال لماذا لم تشارك في مخيم "كديم إيزيك" قالت حيدر "لأنني أخشى أن يستغل النظام المغربي حضوري ليقمع سكان المخيم". لكن الإعلام الجزائري خصوصا الرسمي منه والموالي للنظام، لا يهمه مستقبل نضال الجماهير بالصحراء، بقدر ما يهمه توجيه استياء الشعب الجزائري من حكم العسكر والنتائج الرهيبة للسياسات الليبرالية المفروضة من طرف المؤسسات المالية الدولية تجاه العدو الخارجي التاريخي: المغرب. وهو ما يجب أن يعيه المناضلون الصحراويون، إن نضالهم لا يعني عسكر الجزائر إلا بمقدار استعماله ورقة ضغط في وجه المغرب. وقد انخرطت الدولة المغربية وتوابعها الصحفية- بشكل مشابه- في حملة شوفينية ضد الجزائر و"محاولتها التاريخية فصل المغرب عن صحرائه" وذلك لتوجيه الرأي العام الجماهيري نحو الأسباب غير الحقيقية للاحتجاج بالصحراء. إن الإعلام الإسباني يصدق عليه وصف "المتلاعبون بالعقول". فإسبانيا من بين البلدان التي تعصف بها الأزمة المالية- مع تداعياتها الاجتماعية- و أفضل لها أن يلهى الرأي العام الإسباني بمواضيع ثانوية لتوجيه الاستياء الجماهيري نحو الخارج. أما ما قام به أنصار البوليساريو من تقديم صور أطفال غزة في مؤتمر صحفي والبكاء قصد استدرار عطف إحدى أكبر الدول الاستعمارية بالمنطقة، على أنه نتيجة التدخل المغربي فهو فعل أكثر بؤسا. ويظهر على أن ما يهمهم هو مصالح آنية واستثمار أي نضال شعبي بالصحراء من أجل تحقيق مكاسب سياسية، تستغلها في إطار المفاوضات السرية مع المغرب ، تحت إشراف الأمم المتحدة. إن هذا الأسلوب مرفوض. فالحقيقة دائما ثورية، ويجب التعامل مع نضالات الجماهير كما هي وليس إسقاط الشعارات عليها من السماء، ما يعطي مبررات لدولة الاستبداد لقمعها. صمت "المنتظم الدولي": خيب ما يطلق عليه بالمنتظم الدولي آمال جبهة البوليساريو، في إيفاد لجنة تحقيق دولية. فقد رفض مجلس الأمن الدولي طلب البوليساريو في هذا الشأن، كما قرر البرلمان الأوروبي- بعد زيارة الوفد المغربي برئاسة وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري- سحب مشروع حول الصحراء كان من المفترض أن يطرح للتصويت عليه خلال الجلسة العامة المقبلة للبرلمان الأوروبي 25 نونبر الجاري. (الصباح، العدد 3299، 20-21/11/2010) كما "تمسكت الحكومة الإسبانية برفض اتخاذ أي موقف حيال المغرب، في ظل "غياب المعلومات الموثوقة" حول أحداث العيون. وشهد البرلمان الإسباني نقاشا ساخنا حول قضية الصحراء، غير أن وزيرة الخارجية، خيمنيث رينيداد، لم تستجب للضغوط التي مارستها فرق برلمانية.. باتجاه تحميل المغرب مسؤولية هذه الأحداث". ( الصباح، نفس العدد). إنها ضربة موجهة لأوهام البوليساريو حول قدرة "الشرعية الدولية"، إحقاق حقوق الصحراويين. أوهام وصلت درجة تملق أحد سفرائها بأوروبا وصف مجلس الأمن الدولي بـ"مجلس العظماء، الذي يحفظ السلم العالمي". في حين ينطق الواقع بعكس ذلك. أحداث العيون: استغلال لمنع أي احتجاج مستقبلي تحدثت أغلب الصحف المغربية عن عدالة المطالب التي رفعها النازحون، لكن تدخل "الانفصاليين على الخط مدعومين بالمخابرات الجزائرية"، حولها إلى مطالب سياسية في اتجاه انفصالي تصب في "أجندة سياسية مخدومة". إن النتيجة المنطقية للحملة الصحفية التي نحت هذا الاتجاه هي: ما دام مشكل الصحراء قائما، وما دامت الجزائر والبوليساريو تترصد بالمغرب فإن أي احتجاج مهما كانت عدالة مطالبه ليس مسموحا به في الصحراء، ما دام قابلا للاستغلال من طرف الأعداء الخارجيين. إنه منطق استغلال فزاعة العدو الخارجي لتسييد السلم الاجتماعي بالداخل، وهو ما يجب أن ترفضه منظمات النضال من نقابات وجمعيات حقوقية. فلا يجب أن نفرط في حريتنا وحقنا في الاحتجاج كي ندعم جبهة داخلية مزعومة ثمنها الاجتماعي هو المزيد من التفقير والتجويع وكبث الحريات و تأبيد الاستبداد و التبعية. "إن المغرب يعيش لحظة استثناء". لذلك يجب تأجيل كل احتجاج والانخراط في التعبئة الوطنية للدفاع عن الوحدة الترابية. أحسن نموذج عن هذا السلوك أوردته جريدة الصباح، لما نظم 4000 من سكان "تقاجوين ومختلف الدواوير المحيطة بها بإقليم ميدلت، مسيرة للتعبير عن تضامنهم مع أسر شهداء أحداث العيون... ونية ممثليهم تنظيم وقفة احتجاجية أمام سفارتي الجزائر وإسبانيا...". وقال مصطفى العلاوي عن جمعية "إيدكل للمحافظة على البيئة والغابة، بتيقاجوين، إنه جرت العادة في مثل هذه الشهور أن يستعد السكان لتنظيم مسيرات احتجاجية للمطالبة بفك العزلة عنهم... إلا أن هذه المرة... الظرفية تختلف، وسنؤجل احتجاجاتنا الاجتماعية إلى وقت آخر، لأن الأمر يتطلب منا الآن أن ندافع عن بلادنا أولا...". (الصباح، العدد 3298، 09/11/2010). فليفهم من يريد أن يفهم. في هذا السياق أشار الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية إلى "أن إيجاد الحلول الضرورية للمطالب الاجتماعية والاقتصادية المشروعة، لا يمكن أن يتم إلا في إطار من النظام والطمأنينة، بعيدا عن كل استفزاز أو ابتزاز، وفي إطار دولة الحق والقانون والمؤسسات..." (اجتماع الديوان السياسي يوم الاثنين 08/11/2010). من الآن فصاعدا على النقابات عدم اللجوء إلى سلاح الإضراب، وعلى المعطلين والطلبة عدم اللجوء إلى الوقفات والمسيرات الاحتجاجية، فكل ذلك سيعتبره "الحزب التقدمي والاشتراكي" "استفزازا وابتزازا وخروجا عن إطار القانون". فليحيى التقدم ولتحيى الاشتراكية. إن هذه الحملة الرجعية الهوجاء تريد أن تكرس في وعي ولا وعي الجماهير أن أي نضال محرم ما دام قابلا للاستغلال من طرف أعداء الوطن. حملة تستبطن اعتبار كل مناضل بالصحراء مشكوكا في وطنيته حتى يثبت العكس. أسلوب وصلت وقاحته استثارة غضب كجمولة بنت عبي النائبة البرلمانية في حزب التقدم والاشتراكية حين قالت "إنني أطرح السؤال: هل جاءت اللحظة التي لم يعد يتم التعامل معنا كمواطنين مغاربة؟ هل نحن جميعا موضع شك..؟". (المساء، العدد 1291، 15/11/2010). وكذبت في نفس الوقت الرواية الرسمية حول مجرى الأحداث، وهي تصريحات تنصل منها نبيل بنعبد الله وقال "أنها لا تعدو أن تكون آراء شخصية، لا تلزم الحزب في شيء". (الصباح). طبعا فالحزب ملتزم بالإجماع الوطني فقط. ملاحظات لا بد منها إن نصرة نضال الكادحين لا يعني السكوت عن سلبياته وحدوده التي تمنعه من الوصول إلى تحقيق المطالب، وإلا سيكون تملقا لا نصرة وتضامنا. إن مخيم كديم إيزيك رغم نقاط قوته تخللته نقاط ضعف سهلت لقوى القمع تفكيكه: 1. بقاء القرار بيد لجنة تنظيمية مغلقة على نفسها تكتفي بإخبار السكان بالمستجدات. بينما يجب أن يكون القرار بيد المعتصمين بدءا بالتقرير والتنفيذ ومراقبة ممثليهم. 2. غياب إعلام خاص بالمخيم سهل للصحافة الموالية للنظام النجاح في حملتها التشويهية في حق قاطني المخيم. فطيلة شهر لم تصدر اللجنة التنظيمية سوى بيانين للرد على رواية الدولة في مقتل الكارحي والتنديد بتجاوز الدولة لما هو متفق عليه في إطار المفاوضات. 3. الحديث عن السكان الأصليين والمستوطنين أعطى للدولة وأبواقها الفرصة لتصوير حركة الاحتجاج على أنها ذات بعد سياسي. إن القاعدة العريضة لما يطلق عليه "المستوطنون" إما عمال يتعرضون لأبشع صنوف الاستغلال والاضطهاد في معامل مدينة المرسى حيث يسود قانون الغاب أو في الصيد البحري مقابل أجور البؤس، وإما عاطلون عن العمل يمارسون أي عمل مقابل أي أجر وأحسنهم حالا يمتلك حانوتا لتجارة التقسيط. إن خطاب استئثار "المستوطنين" بخيرات الصحراء خطاب خاطئ يجب تجاوزه في النضالات المستقبلية لتحقيق اللحمة بين الكادحين الصحراويين والقادمين من الأقاليم الداخلية. على أمل أن يكتب صانعو التجربة عن تجربتهم. متضامن من العيون |
دفاعا عن مخيم "كديم إيزيك" ونضال كادحي العيون

ليست هناك تعليقات: